فصل: فَصْلٌ: (مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ أَنِّهُ يُحِبُّ الْفِتْنَةَ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ أَنِّهُ يُحِبُّ الْفِتْنَةَ]:

(وَمَنْ حَلَفَ) بِالطَّلَاقِ أَوْ غَيْرِهِ (إنِّي أُحِبُّ الْفِتْنَةَ وَأَكْرَهُ الْحَقَّ، وَأَشْهَدُ بِمَا لَمْ تَرَ عَيْنِي؛ وَلَا أَخَافَ مِنْ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ، وَأَسْتَحِلُّ الْمَيْتَةَ، وَأَسْتَحِلُّ قَتْلَ النَّفْسِ؛ وَأَنَا مَعَ ذَلِكَ مُؤْمِنٌ عَدْلٌ وَلَمْ يَحْنَثْ؛ فَهُوَ) رَجُلٌ (يُحِبُّ الْمَالَ وَالْوَلَدَ) وَهُمَا فِتْنَةٌ قَالَ تَعَالَى: {إنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} (وَيَكْرَهُ الْمَوْتَ) وَهُوَ حَقٌّ قَالَ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (وَيَشْهَدُ بِالْبَعْثِ وَالْحِسَابِ) وَلَمْ يَرَهُمَا لَكِنْ قَامَ الْقَاطِعُ عَلَيْهِمَا، قَالَ تَعَالَى {يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} وَقَالَ: «وَاَللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ» (وَلَا يَخَافُ مِنْ اللَّهِ وَلَا مِنْ رَسُولِهِ الظُّلْمَ) قَالَ تَعَالَى {وَمَا رَبُّك بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ عَلَى عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَيَسْتَحِلُّ مَيْتَةً نَحْو سَمَكٍ، وَ) يَسْتَحِلُّ (قَتْلَ كَافِرٍ) غَيْرِ ذِمِّيٍّ وَمُعَاهَدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ. (وَإِنْ حَلَفَ أَنْ امْرَأَتَهُ بَعَثَتْ إلَيْهِ أَنِّي قَدْ حُرِّمْت عَلَيْك، وَتَزَوَّجْت بِغَيْرِك، وَوَجَبَ عَلَيْك أَنْ تَبْعَثَ لِي نَفَقَتِي وَنَفَقَةَ زَوْجِي؛ وَلَمْ يَحْنَثْ) فَهَذِهِ الْمَرْأَةُ (هِيَ مَنْ تَزَوَّجْت بِعَبْدِ أَبِيهَا) أَوْ أَخِيهَا (الْمَبْعُوثِ فِي تِجَارَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ) أَوْ الْأَخُ الْبَاعِثُ لِذَلِكَ الْعَبْدِ (فَوَرِثَتْهُ مَعَ ابْنِ عَمِّهَا) فَانْفَسَخَ نِكَاحُ الْعَبْدِ لِإِرْثِ زَوْجَتِهِ لَهُ أَوْ لِبَعْضِهِ، وَبَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا تَزَوَّجَتْهُ أَيْ: ابْنَ عَمِّهَا، وَبَعَثَ إلَى زَوْجِهَا الْعَبْدِ أَنْ ابْعَثْ إلَيَّ مِنْ الْمَالِ الَّذِي لِي وَلِزَوْجِي، فَهُوَ مَالِي أَوْ مَالُ زَوْجِي، وَهِيَ صَادِقَةٌ.
(وَإِنْ اشْتَرَى خِمَارَيْنِ، وَلَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ) أَوْ بَنَاتٍ وَنَحْوُهُنَّ (فَحَلَفَ لَتَخْمَرْنَ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِشْرِينَ يَوْمًا) مِنْ الشَّهْرِ بِأَحَدِ الْخِمَارَيْنِ (اخْتَمَرَتْ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى بِهِمَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَخَذَتْ الصُّغْرَى مِنْ الْكُبْرَى) خِمَارَهَا (إلَى آخِرِ الشَّهْرِ) فَقَدْ اخْتَمَرَتْ الصُّغْرَى عِشْرِينَ يَوْمًا وَتَسْتَمِرُّ الْوُسْطَى مُخْتَمِرَةً إلَى تَمَامِ الْعِشْرِينَ، فَتَمَّتْ لَهَا الْعِشْرِينَ، يَوْمًا (وَتَخْتَمِرُ الْكُبْرَى بِخِمَارِ الْوُسْطَى بَعْدَ الْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ) فَكَمُلَ لَهَا بِهَذِهِ الْعَشَرَةِ مَعَ الْعَشَرَةِ الْأُولَى عِشْرُونَ يَوْمًا. وَكَذَا رُكُوبُهُنَّ لِبَغْلَيْنِ ثَلَاثَ فَرَاسِخَ؛ وَلَا يَحْمِلُ كُلُّ بَغْلٍ أَكْثَرَ مِنْ امْرَأَةٍ، فَقَالَ زَوْجُهُنَّ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إنْ لَمْ تَرْكَبْ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ فَرْسَخَيْنِ، فَتَرْكَبُ الْكُبْرَى وَالْوُسْطَى الْبَغْلَيْنِ فَرْسَخًا، ثُمَّ تَرْكَبُ الصُّغْرَى بَغْلَ الْكُبْرَى إلَى تَمَامِ الثَّلَاثِ ثُمَّ رَكِبَتْ الْكُبْرَى بَغْلَ الْوُسْطَى بَعْدَ الْفَرْسَخَيْنِ إلَى تَمَامِ الثَّلَاثِ. (وَإِنْ حَلَّفَتْهُ زَوْجَتُهُ لَا يَطَأُ جَوَارِيَهُ) وَمَنْ وَطِئَهَا مِنْهُنَّ فَهِيَ حُرَّةٌ، وَأَرَادَتْ زَوْجَتُهُ الْإِشْهَادَ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْيَمِينِ. وَخَافَ أَنْ يَرْفَعَ بِهَا إلَى الْحَاكِمِ، فَلَا يُصَدِّقُهُ فِيمَا نَوَاهُ، وَأَرَادَ هُوَ التَّخَلُّصَ مِنْ ذَلِكَ (أَخْرَجَهُنَّ) أَيْ: جَوَارِيَهُ (عَنْ مِلْكِهِ) بِبَيْعِهِنَّ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ (وَأَشْهَدَ) عَلَى بَيْعِهِنَّ شُهُودًا عُدُولًا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ الزَّوْجَةُ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (حَلَفَ) لَهَا بِعِتْقِ كُلِّ جَارِيَةٍ يَطَؤُهَا مِنْهُنَّ فَيَحْلِفُ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ مِنْهُنَّ شَيْءٌ، وَيُشْهِدُ عَلَى نَفْسِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ شُهُودَ الْبَيْعِ؛ لِيَشْهَدُوا لَهُ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا، وَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ (ثُمَّ) بَعْدَ الْيَمِينِ (رَدَّهُنَّ) أَيْ: الْجَوَارِيَ إلَى مِلْكِهِ بِتَقَايُلٍ أَوْ شِرَاءٍ، وَيَطَؤُهُنَّ، وَلَا يَحْنَثُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَكُنَّ فِي مِلْكِهِ حَالَ الْحَلِفِ، فَإِنْ رَافَعَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْحَاكِمِ، وَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ بِالْيَمِينِ وَبِوَطْئِهِنَّ أَقَامَ هُوَ الْبَيِّنَةَ بِالْيَمِينِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْيَمِينِ فِي مِلْكِهِ شَيْءٌ مِنْهُنَّ (عَمِلَ) الْحَاكِمُ (بِذَلِكَ) وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَرِّفَهَا أَنَّهُ (لَا حِنْثَ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَالِمٍ.
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ سَأَلْتنِي الْخُلْعَ، وَلَمْ أُحَلِّفْك عَقِبَ سُؤَالِك؛ فَقَالَتْ: عَبْدِي حُرٌّ إنْ لَمْ أَسْأَلْك الْخُلْعَ الْيَوْمَ، فَسَأَلْتُهُ) أَنْ يَخْلَعَهَا (فَخَلَعَهَا عَلَى مَا بَذَلَتْهُ) مِنْ الْعِوَضِ (إنْ فَعَلْت كَذَا) أَيْ: إنْ صَعِدَتْ السَّطْحَ مَثَلًا (وَلَمْ تَفْعَلْهُ) أَيْ: لَمْ تَصْعَدْ السَّطْحَ؛ بَرَّ فِي يَمِينِهِ، وَلَا تَطْلُقُ، وَلَا يَحْنَثُ فِي الْخُلْعِ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْخُلْعِ التَّنْجِيزُ، وَقَدْ أَوْقَعَهُ مُعَلَّقًا؛ فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ. (أَوْ) حَلَفَ (لَيُجَامِعُهَا عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ؛ فَثَقَبَ السَّقْفَ، وَأَخْرَجَ) مِنْ السَّقْفِ (مِنْ رَأْسِ الرُّمْحِ يَسِيرًا، وَجَامَعَهَا عَلَيْهِ) أَيْ: الثَّقْبِ، بَرَّ فِي يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَامَعَهَا عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ. (وَيَتَّجِهُ) مَسْأَلَةِ (الْخُلْعِ أَنَّهُ يَحْنَثُ) بِقَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ إلَى آخِرِهِ (لِانْصِرَافِ الْيَمِينِ) أَيْ يَمِينِ الطَّلَاقِ الَّتِي عَلَّقَهَا (لِ) الْخُلْعِ (الصَّحِيحِ) وَهَذَا الْخُلْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَجَّزٍ، وَحَيْثُ لَمْ يُنَجِّزْ الْخُلْعَ؛ فَلَا يَحْنَثُ بِهِ، وَيَحْنَثُ بِالطَّلَاقِ لِعَدَمِ صِفَةٍ صَحِيحَةٍ عَلَّقَ بِالطَّلَاقِ عَلَيْهَا، إلَّا أَنْ يُقَالَ هُوَ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى مُجَرَّدِ سُؤَالِهَا الْخُلْعَ؛ وَقَدْ سَأَلَتْهُ، وَبَذَلَتْ لَهُ عِوَضًا، وَخَلَعَهَا عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُنَجِّزْ الْخُلْعَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ تَنْجِيزِ الْخُلْعِ عَدَمُ إبْرَارِهِ فِي الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ قَدْ عَلَّقَهُ عَلَى مُطْلَقِ السُّؤَالِ، وَقَدْ وُجِدَ.
(وَ) إنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ (لَيَطَأَنَّهَا) أَيْ: زَوْجَتَهُ (فِي يَوْمٍ وَلَا يَغْتَسِلَ فِيهِ عَمْدًا) مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ (وَلَا يَتْرُكَ الصَّلَاةَ) أَيْ: صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ (فَإِنَّهُ يَطَأُ) بَعْدَ صَلَاةِ (الْعَصْرِ، وَيَغْتَسِلُ بَعْدَ الْغُرُوبِ) أَيْ: بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ وَلَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ جَامَعَ فِي الْيَوْمِ، وَلَمْ يَغْتَسِلْ فِيهِ، وَلَمْ تَفُتْهُ الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ.
(وَ) إنْ حَلَفَ عَلَى زَوْجَتِهِ (لَا لَبِسْت هَذَا الْقَمِيصَ وَلَا وَطِئْتُكِ إلَّا فِيهِ) أَيْ: الْقَمِيصِ، وَأَرَادَ التَّخَلُّصَ (فَيَلْبَسُهُ هُوَ وَيَطَؤُهَا) فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَقَدْ بَرَّ بِيَمِينِهِ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَطَأْك فِي رَمَضَانَ نَهَارًا، فَفَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ مُرِيدَ السَّفَرِ مَسَافَةَ قَصْرٍ ثُمَّ وَطِئَهَا، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ؛ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ إرَادَةَ حَلِّ الْيَمِينِ مِنْ الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ. وَإِنْ حَلَفَ أَنْ خَمْسَةً زَنَوْا بِامْرَأَةٍ، فَلَزِمَ الْأَوَّلَ الْقَتْلُ وَالثَّانِيَ الرَّجْمُ، وَالثَّالِثَ الْجَلْدُ، وَالرَّابِعَ نِصْفُ الْجَلْدِ؛ وَالْخَامِسَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ، فَالْأَوَّلُ ذِمِّيٌّ وَالْمَرْأَةُ مُسْلِمَةٌ؛ فَيُقْتَلُ لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ، وَالثَّانِي مُحْصَنٌ، فَرُجِمَ، وَالثَّالِثُ حُرٌّ بِكْرٌ فَيُجْلَدُ مِائَةً، وَيُغَرَّبُ عَامًا، وَالرَّابِعُ عَبْدٌ يُجْلَدُ خَمْسِينَ، وَالْخَامِسُ حَرْبِيٌّ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِأَحْكَامِنَا. (وَهُوَ) أَيْ: الشَّكُّ لُغَةً ضِدُّ الْيَقِينِ، وَاصْطِلَاحًا تَرَدُّدٌ عَلَى السَّوَاءِ، وَالْمُرَادُ (هُنَا مُطْلَقُ التَّرَدُّدِ) بَيْنَ وُجُودِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عَدَدِهِ أَوْ شَرْطِهِ وَعَدَمِهِ؛ فَيَدْخُلُ فِيهِ الظَّنُّ وَالْوَهْمُ. (وَلَا يَلْزَمُ) الطَّلَاقُ، (لِشَكٍّ فِيهِ) أَوْ شَكٍّ (فِيمَا عَلَّقَ عَلَيْهِ) الطَّلَاقَ وَلَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ (عَدَمِيًّا كَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ) كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا فَزَوْجَتِي طَالِقٌ، وَشَكَّ فِي فِعْلِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بَعْدَ مُضِيِّهِ؛ فَلَا حِنْثَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْمُزِيلُ، كَالْمُتَطَهِّرِ يَشُكُّ فِي الْحَدَثِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ». (وَسُنَّ تَرْكُ وَطْءٍ قَبْلَ رَجْعَةٍ) إنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا (وَيَتَّجِهُ) لَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَةِ الرَّجْعِيَّةِ بِالْقَوْلِ (لِمُرَاعَاةِ الْخِلَافِ) أَيْ: خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَ تَرْكَ وَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ مُطْلَقًا كَالْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ شَاكٌّ فِي حِلِّهَا، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ امْرَأَتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَبِعَهُ: الْوَرَعُ الْتِزَامُ الطَّلَاقِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» (وَإِلَّا) تُلَاحَظُ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ؛ فَلَا يَفْتَقِرُ وَطْؤُهَا إلَى مُرَاجَعَةٍ بِالْقَوْلِ؛ إذْ (هُوَ) أَيْ: الْوَطْءُ (رَجْعَةٌ) وَهُوَ مُتَّجِهٌ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فَتَمَامُ وَرَعٍ قَطْعُ شَكٍّ بِهَا) أَيْ: بِالرَّجْعَةِ حَيْثُ أَمْكَنَهُ أَوْ قَطْعُ شَكٍّ (بِعَقْدٍ) جَدِيدٍ (أَمْكَنَ) يَعْنِي إنْ لَمْ تَكُنْ بَقِيَتْ فِي طَلَاقِهَا عَلَى وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْوُقُوعِ لَا تَحِلُّ لَهُ بِدُونِهِمَا، فَكَانَ الْأَوْلَى فِعْلَهُمَا لِتَيَقُّنِ الْحِلِّ بِذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) عَقْدٌ (كـَ) كَوْنِ الشَّكِّ فِي وُقُوعِ طَلَاقِ (ثَلَاثٍ) فَقَطْعُ الشَّكِّ (بِفُرْقَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ) تَمَامُ الْوَرَعِ (بِأَنْ يَقُولَ: إنْ لَمْ تَكُنْ طَلُقَتْ فَهِيَ طَالِقٌ) لِئَلَّا تَبْقَى مُعَلَّقَةٍ مَتْرُوكٌ وَطْؤُهَا بِالتَّحَرُّجِ بِهِ (وَإِلَّا) يُطَلِّقْهَا (لَمْ تَحِلَّ لِغَيْرِهِ كَسَائِرِ الْمُزَوَّجَاتِ) إذْ يَقِينُ نِكَاحِهِ بَاقٍ لَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُهُ (وَيُمْنَعُ، وَيَتَّجِهُ نَدْبًا) خِلَافًا لِلشَّيْخِ عُثْمَانَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ (حَالِفٌ لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً اشْتَبَهَتْ بِغَيْرِهَا مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِمَّا اشْتَبَهَتْ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا (فَإِنْ أَكَلَ الْكُلَّ إلَّا بَعْضَ وَاحِدَةٍ) وَلَمْ يَدْرِ أَكَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهَا أَوْ لَا (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ إذْ أَبْقَى مِنْهُ بَعْضَ وَاحِدَةٍ احْتَمَلَ أَنَّهَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا وَيَقِينُ النِّكَاحِ ثَابِتٌ، فَلَا يَزُولُ بِالشَّكِّ. (وَإِنْ حَلَفَ لِيَأْكُلْنَهَا) أَيْ: التَّمْرَةَ (فَاخْتَلَطَتْ) بِتَمْرٍ وَاشْتَبَهَتْ (لَمْ يَتَحَقَّقْ بِرُّهُ إلَّا بِأَكْلِ الْكُلِّ) أَيْ: كُلِّ التَّمْرِ الْمُخْتَلِطَةِ بِهِ لِمَا سَبَقَ. (وَيَتَّجِهُ: وَلَا حِنْثَ) عَلَى حَالِفٍ لَيَأْكُلَهَا، وَاشْتَبَهَتْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا بِغَيْرِهَا (لَوْ أَكَلَ) تَمْرَةً (وَاحِدَةً لِلشَّكِّ) فِي أَنَّهَا هِيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهَا أَوْ غَيْرُهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِ (بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) وَهُوَ الْأَقَلُّ؛ لِمَا سَبَقَ (فـَ) لَوْ قَالَ: (أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ مَا طَلَّقَ زَيْدٌ زَوْجَتَهُ، وَجَهِلَ) عَدَدَ مَا طَلَّقَ زَيْدٌ زَوْجَتَهُ (فَطَلْقَةٌ) وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ (وَيَتَّجِهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) زَيْدٌ (طَلَّقَ) زَوْجَتَهُ، (فـَ) طَلْقَةٌ (وَاحِدَةٌ) تَقَعُ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا أَحْرَمَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ زَيْدٌ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ فِي أَنَّهُ يَنْعَقِدُ الْإِحْرَامُ، وَيَصْرِفُهُ لِمَا شَاءَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) إنْ قَالَ (لِامْرَأَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ، وَثَمَّ مَنْوِيَّةٌ) بِأَنْ نَوَى مُعَيَّنَةً مِنْهُمَا (طَلُقَتْ) الْمَنْوِيَّةُ، لِأَنَّهُ عَيَّنَهَا بِنِيَّتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَيَّنَهَا بِلَفْظِهِ، فَإِنْ ادَّعَتْ إحْدَاهُمَا أَنَّهُ عَنَاهَا، وَقَالَ: عَنَيْت ضَرَّتَهَا، فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَإِلَّا) يَنْوِ بِهِ مُعَيَّنَةً (أُخْرِجَتْ) الْمُطَلَّقَةُ مِنْهُمَا (بِقُرْعَةٍ) نَصًّا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ (كَمُعَيَّنَةٍ مَنْسِيَّةٍ) فَتُمَيَّزُ بِقُرْعَةٍ (وَكَقَوْلِهِ عَنْ طَائِرٍ إنْ كَانَ غُرَابًا فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، وَإِلَّا) يَكُنْ غُرَابًا (فَعَمْرَةُ) طَالِقٌ، وَذَهَبَ الطَّائِرُ (وَجَهِلَ) أَغُرَابٌ أَمْ غَيْرُهُ؛ فَيُقْرِعُ بَيْنَهُمَا، فَتَطْلُقُ مَنْ أَخْرَجَتْهَا الْقُرْعَةُ، لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْهُمَا عَيْنًا فَهُمَا سَوَاءٌ، وَالْقُرْعَةُ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ لِإِخْرَاجِ الْمَجْهُولِ، وَإِنْ مَاتَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا، وَكَانَ نَوَى الْمُطَلَّقَةَ، حَلَفَ لِوَرَثَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا، وَوَرِثَهَا، أَوْ الْحَيَّةَ، وَلَمْ يَرِثْ الْمَيِّتَةَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ إحْدَاهُمَا، أَقْرَعَ كَمَا سَبَقَ (وَإِنْ مَاتَ) قَبْلَ الْقُرْعَةِ (أَقْرَعَ وَرَثَتُهُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهَا) الْقُرْعَةُ (لَمْ تَرِثْ). (وَمَنْ لَهُ أَرْبَعُ) زَوْجَاتٍ (فَأَبَانَ وَاحِدَةً بَيْنَهُمَا) مُعَيَّنَةً (ثُمَّ نَكَحَ) أَيْ: تَزَوَّجَ (أُخْرَى) بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (ثُمَّ مَاتَ) الزَّوْجُ (وَجُهِلَتْ الْبَائِنُ) مِنْهُنَّ (فَلِلْجَدِيدَةِ رُبْعُ مِيرَاثِهِنَّ) أَيْ: الزَّوْجَاتِ نَصًّا، وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِيهَا (ثُمَّ يُقْرَعُ بَيْنَ الْأَرْبَعِ) الْأُوَلِ لِإِخْرَاجِ الْمُطَلَّقَةِ (فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهَا) قُرْعَةُ الطَّلَاقِ (لَمْ تَرِثْ) إذَا لَمْ يُتَّهَمْ بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا، مِنْ إرْثٍ وَدَوَاعِيهِ (قَبْلَهَا) أَيْ: الْقُرْعَةِ إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِإِحْدَاهُنَّ الْبَاقِيَاتِ ثَلَاثَ أَرْبَاعِ مِيرَاثِ الزَّوْجَاتِ (وَلَا يَطَأُ) أَيْ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ إحْدَاهُنَّ يَقِينًا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُصَادِفَهَا (وَتَجِبُ النَّفَقَةُ) لِلزَّوْجَاتِ إلَى الْقُرْعَةِ، لِأَنَّهُنَّ مَحْبُوسَاتٌ لِحَقِّهِ فِي حُكْمِ الزَّوْجِيَّةِ. (وَمَتَى ظَهَرَ) بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ الْوَاحِدَةِ (أَنْ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُ الْمُخْرَجَةِ بِالْقُرْعَةِ) بِأَنْ ذَكَرَهَا بَعْدَ نِسْيَانِهِ (رُدَّتْ) الْمُخْرَجَةُ لِزَوْجِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِيهَا بِصَرِيحٍ وَلَا كِنَايَةٍ، وَالْقُرْعَةُ لَا حُكْمَ لَهَا مَعَ الذِّكْرِ، فَإِذَا عُلِمَ الْمُطَلَّقَةُ؛ رُجِعَ إلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا لِلِاشْتِبَاهِ، فَإِذَا زَالَ عَنْهَا؛ رُدَّتْ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ عُلِمَتْ مُذَكَّاةً بَعْدَ أَنْ اشْتَبَهَتْ بِمَيِّتَةٍ (مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ) مُخْرَجَةٌ؛ فَلَا تُرَدُّ إلَيْهِ، لِتَعَلُّقِ غَيْرِهِ بِهَا، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي إبْطَالِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (أَوْ) مَا لَمْ (يَحْكُمْ بِالْقُرْعَةِ) حَاكِمٌ، أَوْ يُقْرِعْ الْحَاكِمُ بَيْنَهُنَّ، لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُ الزَّوْجَ رَفْعُهَا كَسَائِرِ الْحُكُومَاتِ (وَيَتَّجِهُ هَذَا) أَيْ عَدَمُ إرْجَاعِهَا إلَيْهِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ أَوْ حُكْمِ الْحَاكِمِ (إنْ ظَهَرَ) خُرُوجُ الْقُرْعَةِ لِوَاحِدَةٍ مُطَلَّقَةٍ غَيْرِهَا (بِتَذَكُّرِهِ) أَيْ: الزَّوْجِ، وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ظُهُورُ ذَلِكَ (بِبَيِّنَةٍ، تُرَدُّ) الْمُخْرَجَةُ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ تَزَوَّجَتْ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَارِعُ الْحَاكِمَ أَوْ غَيْرَهُ، حَكَمَ بِهَا أَوْ لَمْ يَحْكُمْ (لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَحُكْمُهُ) أَيْ: الْحَاكِمِ (لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ). (وَإِنْ مَاتَتْ الْمَرْأَتَانِ أَوْ) مَاتَتْ (إحْدَاهُمَا) بَعْدَ قَوْلِهِ لَهَا: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَبْلَ الْقُرْعَةِ (عَيَّنَ هُوَ) أَيْ: الْمُطَلِّقُ، أَيْ: أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِ الْإِرْثِ فَمَنْ قَرَعَتْ؛ لَمْ تُوَرَّثْ (وَيَحْلِفُ) إنْ كَانَ نَوَى الْمُطَلَّقَةَ (لِوَرَثَةِ الْأُخْرَى) أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا وَيَرِثُهَا لِأَنَّهَا (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى) إحْدَاهُمَا (أَقْرَعَ) كَمَا سَبَقَ (فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهَا) الْقُرْعَةُ (لَمْ يَرِثْهَا) لِظُهُورِ أَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَتُهُ. (وَمَنْ ادَّعَتْ زَوْجَتُهُ) أَنَّهُ طَلَّقَهَا (طَلَاقًا بَائِنًا فَأَنْكَرَ) الزَّوْجُ (فَقَوْلُهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (فَإِنْ مَاتَ) بَعْدَ دَعْوَاهَا (لَمْ تَرِثْهُ) مُؤَاخَذَةً لَهَا بِمُقْتَضَى اعْتِرَافِهَا (وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ) لِأَنَّ قَوْلَهَا لَا يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيْهَا (وَ) لَوْ قَالَ (لِزَوْجَتَيْهِ أَوْ) قَالَ (لِأَمَتَيْهِ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ غَدًا، فَمَاتَتْ) إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْغَدِ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْبَاقِيَةِ (أَوْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهَا) أَيْ: عَنْ أَمَتِهِ (قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ غَدٍ وَقَعَ) الْعِتْقُ (بِالْبَاقِيَةِ) مِنْ الْأَمَتَيْنِ، لِأَنَّهَا بَقِيَتْ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. وَإِنْ كَانَ لَهُ نِسَاءٌ، وَقَالَ لَهُنَّ: إحْدَاكُنَّ طَالِقٌ غَدًا فَمَاتَتْ إحْدَاهُنَّ قَبْلَ الْغَدِ، أَوْ كَانَ لَهُ إمَاءٌ، وَقَالَ لَهُنَّ: إحْدَاكُنَّ حُرَّةٌ غَدًا، فَمَاتَتْ إحْدَاهُنَّ قَبْلَ الْغَدِ أَوْ بَاعَ إحْدَى الْإِمَاءِ قَبْلَ الْغَدِ؛ أَقْرَعَ بَيْنَ الْبَاقِي إذَا جَاءَ الْغَدُ، فَمَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ طَلُقَتْ أَوْ عَتَقَتْ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ وَأَمَتِي حُرَّةٌ وَلَهُ نِسَاءٌ وَإِمَاءٌ وَنَوَى مُعَيَّنَةً مِنْ نِسَائِهِ أَوْ إمَائِهِ؛ انْصَرَفَ الطَّلَاقُ أَوْ الْعِتْقُ إلَيْهَا، كَمَا لَوْ عَيَّنَهَا بِلَفْظٍ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مُبْهَمَةً مِنْهُنَّ أُخْرِجَتْ بِقُرْعَةٍ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، طَلَّقَ الزَّوْجَاتِ وَعَتَقَ الْإِمَاءَ كُلَّهُنَّ، لِأَنَّ امْرَأَتِي وَأَمَتِي مُفْرَدٌ مُضَافٌ لِمَعْرِفَةٍ؛ فَيَعُمُّ. (وَمَنْ زَوَّجَ بِنْتًا مِنْ بَنَاتِهِ ثُمَّ مَاتَ وَجُهِلَتْ) الْمُزَوَّجَةُ (حَرُمَ الْكُلُّ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُنَّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُزَوَّجَةُ (وَمَنْ) لَهُ زَوْجَتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ وَ(قَالَ عَنْ طَائِرٍ إنْ كَانَ غُرَابًا فَحَفْصَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَ حَمَامًا فَعَمْرَةُ) طَالِقٌ، وَمَضَى الطَّائِرُ (وَجَهِلَ) جِنْسَهُ (لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا) أَيْ: حَفْصَةَ وَعَمْرَةَ، لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ لَيْسَ غُرَابًا وَلَا حَمَامًا، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْحِنْثِ، فَلَا يَزُولُ يَقِينُ النِّكَاحِ بِالشَّكِّ. (وَإِنْ قَالَ) عِنْدَ طَائِرٍ: (إنْ كَانَ غُرَابًا فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ) قَالَ: (فَأَمَتُهُ حُرَّةٌ، وَقَالَ آخَرُ: إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا مِثْلُهُ) أَيْ: فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ (وَلَمْ يَعْلَمَا) الطَّائِرَ غُرَابًا أَمْ غَيْرَهُ (لَمْ تَطْلُقَا) أَيْ زَوْجَتَاهُمَا (وَلَمْ تَعْتِقَا) أَيْ أَمَتَاهُمَا، لِأَنَّ الْحَانِثَ مِنْهُمَا غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَلَا يُحْكَمُ بِالْحِنْثِ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لِبَقَاءِ يَقِينِ نِكَاحِهِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى (وَحَرُمَ عَلَيْهِمَا وَطْءٌ) وَدَاعِيهِ؛ لِحِنْثِ أَحَدِهِمَا بِيَقِينٍ وَتَحْرِيمِ امْرَأَتِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَشْكَلَ، أَشْبَهَ لَوْ حَنِثَ فِي إحْدَى امْرَأَتَيْهِ لَا بِعَيْنِهَا (إلَّا بِاعْتِقَادِ أَحَدِهِمَا خَطَأَ الْآخَرِ) فَإِنْ مَنْ اعْتَقَدَ خَطَأَ رَقِيقِهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ، وَلَا يَحْنَثُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ صِدْقُهُ (أَوْ) إلَّا أَنْ (يَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا أَمَةَ الْآخَرِ، فَيُقْرِعُ بَيْنَهُمَا) أَيْ: الْأَمَتَيْنِ (حِينَئِذٍ) فَتَعْتِقُ مَنْ خَرَجَتْ لَهَا الْقُرْعَةُ، كَمَنْ أَعْتَقَ إحْدَى أَمَتَيْهِ؛ وَنَسِيَهَا، وَلَهُ الْوَلَاءُ إنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِلَّتِي كَانَتْ أَمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتِقُ لَهَا، وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ (لَكِنْ لَوْ خَرَجَتْ قُرْعَةُ أَمَةٍ مُشْتَرَاةٍ؛ فَوَلَاؤُهَا مَوْقُوفٌ حَتَّى) يَتَصَادَقَا عَلَى أَمْرٍ (يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَدَّعِيهِ إذَنْ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) أَيْ: كَاَلَّتِي قَبْلَهَا (قَوْلُهُ) أَيْ: قَوْلُ رَجُلٍ (لِآخَرَ: إنَّك لَحَسُودٌ) أَيْ: كَثِيرُ الْحَسَدِ (فَقَالَ الْآخَرُ) مُجِيبًا لَهُ (أَحَسَدَنَا) أَيْ: أَكْثَرُنَا حَسَدًا (امْرَأَتُهُ طَالِقٌ) فَقَالَ: نَعَمْ؛ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، لِبَقَاءِ يَقِينِ نِكَاحِهِمَا، وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (فَإِنْ أَقَرَّ كُلُّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (بِحِنْثِهِ لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ مُؤَاخَذَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِالْحِنْثِ حَنِثَ وَحْدَهُ لِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةُ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ الْحِنْثَ أَوْ أَمَتُهُ، فَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ. (وَإِنْ كَانَتْ) أَمَةٌ (مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ مُوسِرَيْنِ وَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ عَنْ طَائِرٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ كَانَ غُرَابًا (فَنَصِيبِي حُرٌّ) وَقَالَ الْآخَرُ: إنْ كَانَ غُرَابًا فَنَصِيبِي حُرٌّ (عَتَقَتْ كُلُّهَا عَلَى أَحَدِهِمَا وَيُمَيِّزُ كُلٌّ بِقُرْعَةٍ) لِيَغْرَمَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَالْوَلَاءُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْتِقٌ فَإِنْ قَالَ سَيِّدُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ: إنْ كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَأَمَتِي حُرَّةٌ وَلَمْ يُعْلَمْ عَتَقَ أَحَدُهُمَا وَيُمَيَّزُ بِقُرْعَةٍ، لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى الْعِلْمِ بِهِ إلَّا بِهَا، فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ الَّذِي عَتَقَ وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ.
(وَ) إنْ قَالَ رَجُلٌ: (إنْ كَانَ) هَذَا الطَّائِرُ (غُرَابًا فَزَوْجَتُهُ طَالِقٌ وَإِلَّا) يَكُنْ غُرَابًا (فَعَبْدُهُ حُرٌّ، وَجَهِلَ) فَلَمْ يَعْلَمْ مَا الطَّائِرُ (أَقْرَعَ) بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ، لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى التَّمْيِيزِ، فَإِنْ وَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى الزَّوْجَةِ طَلُقَتْ الزَّوْجَةُ، وَبَقِيَ الْعَبْدُ فِي الرِّقِّ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الْعَبْدِ عَتَقَ، وَلَمْ تَطْلُقْ الزَّوْجَةُ، لِعَدَمِ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ عَلَيْهَا (وَأَنْفَقَ) الْحَالِفُ (عَلَيْهِمَا) أَيْ: عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْعَبْدِ (إلَيْهَا) أَيْ: إلَى الْقُرْعَةِ (وَلَا يَتَصَرَّفُ) فِيمَا يَمْلِكُ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ وَمِنْ بَيْعِ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ (قَبْلَهَا) أَيْ: الْقُرْعَةِ.
(وَ) إنْ قَالَ (لِزَوْجَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ) طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ (أَوْ) قَالَ: (سَلْمَى طَالِقٌ وَاسْمُهُمَا) أَيْ: زَوْجَتِهِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ (سَلْمَى) طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ، (أَوْ) قَالَ لَحْمَاتِهِ: ابْنَتك طَالِقٌ وَلَهَا بِنْتٌ غَيْرُهَا طَلُقَتْ (زَوْجَتُهُ) لِأَنَّهَا مَحَلُّ طَلَاقِهِ، وَلَا يَمْلِكُ طَلَاقَ غَيْرِهَا (فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ دُيِّنَ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ (وَلَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ ذَلِكَ (حُكْمًا) فَلَا يَحْكُمُ لَهُ بِهِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِطَلَاقِهِ (إلَّا بِقَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ (كَدَفْعِ ظَالِمٍ أَوْ تَخَلُّصٍ مِنْ مَكْرُوهٍ) فَيُقْبَلُ حُكْمًا، لِوُجُودِ الدَّلِيلِ الصَّارِفِ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ زَوْجَتَهُ وَلَا الْأَجْنَبِيَّةَ، طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ نَادَى) مَنْ لَهُ زَوْجَتَانِ هِنْدٌ وَعَمْرَةُ (مِنْ امْرَأَتَيْهِ هِنْدًا) وَحْدَهَا (فَأَجَابَتْهُ) زَوْجَتُهُ (عَمْرَةُ أَوْ لَمْ تُجِبْهُ) عَمْرَةُ (وَهِيَ الْحَاضِرَةُ) عِنْدَهُ دُونَ هِنْدٍ (فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَظُنُّهَا) أَيْ عَمْرَةَ هِنْدًا، (طَلُقَتْ هِنْدٌ لَا عَمْرَةُ) لِأَنَّ الْمُنَادَاةَ هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالطَّلَاقِ؛ فَوَقَعَ بِهَا كَمَا لَوْ أَجَابَتْهُ وَعَمْرَةُ لَمْ يَقْصِدْهَا بِالطَّلَاقِ (وَإِنْ عَلِمَهَا) أَيْ الْمُجِيبَةَ (غَيْرَ الْمُنَادَاةِ طَلُقَتْ عَمْرَةُ لَا هِنْدٌ) وَهِيَ الْمُنَادَاةُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُوَاجَهَةٍ بِالطَّلَاقِ وَلَا مَنْوِيَّةٍ بِهِ (إلَّا إنْ أَرَادَهَا) أَيْ: هِنْدًا، فَإِنْ أَرَادَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ (أَيْضًا) لِأَنَّهَا الْمَقْصُودَةُ وَالْمُجِيبَةُ؛ لِأَنَّهُ وَاجَهَهَا بِالطَّلَاقِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا غَيْرُ الْمُنَادَاةِ. (وَإِنْ قَالَ) زَوْجٌ (لِأَجْنَبِيَّةٍ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ فُلَانَةَ) وَسَمَّى زَوْجَتَهُ: (أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ لَمْ يُسَمِّهَا) أَيْ: زَوْجَتَهُ، بَلْ قَالَ لِمَنْ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ فُلَانَةَ (طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ) اعْتِبَارًا بِالْقَصْدِ، دُونَ الْخِطَابِ (وَكَذَا عَكْسُهُ كَقَوْلِهِ ذَلِكَ) أَيْ أَنْتِ طَالِقٌ (لِزَوْجَتِهِ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً؛ فَيَقَعُ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ وَاجَهَهَا بِصَرِيحِهِ كَمَا لَوْ عَلِمَهَا زَوْجَتَهُ، جَزَمَ بِهِ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَقِيلٍ وَالْمُنَوِّرِ قَالَ فِي تَذْكِرَةِ ابْنِ عَبْدُوسٍ دِينَ، وَلَمْ يُقْبَلْ حُكْمًا؛ إذْ لَا أَثَرَ لِظَنِّهَا أَجْنَبِيَّةً، لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الطَّلَاقِ (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ لَقِيَ امْرَأَتَهُ، فَظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ تَنَحِّي يَا مُطَلَّقَةُ؛ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ.
تَتِمَّةٌ:
وَمِثْلُ الطَّلَاقِ الْعِتْقُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ؛ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إزَالَةُ مِلْكٍ يَنْبَنِي عَلَى التَّغَلُّبِ وَالسِّرَايَةِ قَالَ أَحْمَدُ- فِيمَنْ قَالَ: يَا غُلَامُ أَنْتَ حُرٌّ- يَعْتِقُ عَبْدُهُ الَّذِي نَوَاهُ وَفِي الْمُنْتَخَب: أَوْ نَسِيَ أَنَّ لَهُ عَبْدًا أَوْ زَوْجَةً فَبَانَ لَهُ (وَمَنْ أَوْقَعَ بِزَوْجَتِهِ كَلِمَةً هَلْ هِيَ طَلَاقٌ أَوْ ظِهَارٌ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُمَا، وَلَمْ يَتَيَقَّنْ أَحَدُهُمَا. (وَإِنْ شَكَّ) زَوْجٌ (هَلْ ظَاهَرَ) مِنْ زَوْجَتِهِ (أَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ) تَعَالَى لَا يَطَؤُهَا (لَزِمَهُ بِحِنْثٍ) بِأَنْ وَطِئَهَا (كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِأَنَّهَا وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ ظِهَارٍ لِيَبْرَأَ بِيَقِينٍ.

.كِتَابُ الرَّجْعَةِ:

(الرَّجْعَةُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْكَسْرُ أَكْثَرُ (وَهِيَ) لُغَةً: الْمَرَّةُ مِنْ الرُّجُوعِ، وَشَرْعًا (إعَادَةُ مُطْلَقَةٍ) طَلَاقًا (غَيْرَ بَائِنٍ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ) قَبْلَ الطَّلَاقِ (بِغَيْرِ عَقْدٍ) وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إنْ أَرَادُوا إصْلَاحًا} أَيْ رَجْعَةً، قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْعُلَمَاءُ وقَوْله تَعَالَى {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} فَخَاطَبَ الْأَزْوَاجَ بِالْأَمْرِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُنَّ اخْتِيَارًا، «وَطَلَّقَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَفْصَةَ؛ ثُمَّ رَاجَعَهَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد. وَرَوَى الشَّيْخَانِ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: طَلَّقْت امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» (إذَا طَلَّقَ حُرٌّ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ مُمَيِّزًا بِعَقْلِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ إمْسَاكٌ وَهُوَ يَمْلِكُهُ، لِأَوَّلِيَّةِ (مَنْ) دَخَلَ أَوْ (خَلَا بِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ) طَلَاقَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، (أَوْ) طَلَّقَ (عَبْدٌ) مَنْ دَخَلَ أَوْ (خَلَا بِهَا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ طَلْقَةً وَاحِدَةً بِلَا عِوَضٍ مِنْ الْمَرْأَةِ) وَلَا غَيْرِهَا فِي طَلَاقِ الْحُرِّ أَوْ الْعَبْدِ (فَلَهُ) أَيْ الْمُطَلِّقُ حُرًّا أَوْ كَانَ عَبْدًا فِي عِدَّتِهَا رَجْعَتُهَا، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِلَا إذْنِ سَيِّدِ زَوْجٍ. (وَلِوَلِيٍّ مَجْنُونٍ) طَلَّقَ بِلَا عِوَضٍ دُونَ مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ حُرٌّ عَاقِلٌ، ثُمَّ جُنَّ (فِي عِدَّتِهَا رَجْعَتُهَا، وَلَوْ كَرِهَتْ) الْمُطَلَّقَةُ ذَلِكَ، لِقِيَامِ وَلِيِّهِ مَقَامَهُ خَشْيَةَ الْفَوَاتِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَتَلَخَّصَ أَنَّ لِلرَّجْعَةِ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ: يَكُونَ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهَا، لِأَنَّ غَيْرَهَا لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، فَلَا تُمْكِنُ رَجْعَتُهَا. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ صَحِيحًا، لِأَنَّ مَنْ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ تَبِينُ بِالطَّلَاقِ؛ فَلَا تُمْكِنُ رَجْعَتُهَا، وَلِأَنَّ الرَّجْعَةَ إعَادَةٌ إلَى النِّكَاحِ، فَإِذَا لَمْ تَحِلَّ بِالنِّكَاحِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ؛ وَجَبَ أَنْ لَا تَحِلَّ بِالرَّجْعَةِ إلَيْهِ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُطَلِّقُ دُونَ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ الثَّلَاثُ لِلْحُرِّ وَالِاثْنَتَانِ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَوْفَى عَدَدَ طَلَاقِهِ لَا تَحِلُّ لَهُ مُطَلَّقَتُهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، فَلَا تُمْكِنُ رَجْعَتُهَا لِذَلِكَ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لِأَنَّهُ الْعِوَضُ فِي الطَّلَاقِ إنَّمَا جُعِلَ لِتَفْتَدِي بِهِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ الزَّوْجِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ ثُبُوتِ الرَّجْعَةِ، فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ كَانَ لَهُ رَجْعَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِلْإِجْمَاعِ، وَدَلِيلُهُ مَا سَبَقَ (أَوْ أَمَةٌ) عَلَى أَمَةٍ أَوْ أَمَةٌ (عَلَى حُرَّةٍ) لِأَنَّهَا اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ، لَا ابْتِدَاءٌ لَهُ، أَوْ كَانَتْ الرَّجْعِيَّةُ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً، وَأَبَى (وَلِيٌّ) رَجْعَتَهَا، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً مُكَلَّفَةً؛ لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهَا؛ فَكَذَا سَيِّدُهَا أَوْ وَلِيُّهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الرَّجْعَةِ إرَادَةُ الْإِصْلَاحِ، وَالْآيَةُ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْإِصْلَاحِ وَالْمَنْعِ مِنْ قَصْدِ الْإِضْرَارِ. وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: خَلَوْت بِك قَبْلَ الطَّلَاقِ فَلِي عَلَيْك الرَّجْعَةُ (فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَاهُ الْخَلْوَةَ) بِهَا (لِيُرَاجِعَ) هَذَا (إنْ كَذَّبَتْهُ) بِأَنْ قَالَتْ: لَمْ تَخْلُ بِي قَبْلَ الطَّلَاقِ؛ فَلَا رَجْعَةَ لَك عَلَيَّ، بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى، فَأَمَّا الْمَهْرُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَبَضَتْهُ فَلَا تَسْتَحِقُّ إلَّا نِصْفَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُقِرًّا بِكُلِّهِ فَهِيَ لَا تَدَّعِي إلَّا نِصْفَهُ، وَلَا تُصَدِّقُهُ فِي إقْرَارِهِ (كَمَا لَا يُقْبَلُ مِنْهَا) لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ خَلَا بِهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (لِيَكْمُلَ صَدَاقٌ، فَكَذَّبَهَا) الزَّوْجُ بِأَنْ قَالَ: طَلَّقْتُك قَبْلَ الْخَلْوَةِ، فَلَيْسَ لَك سِوَى نِصْفِ الصَّدَاقِ، وَحَيْثُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِدَعْوَاهَا الْخَلْوَةَ. (فَإِنْ ادَّعَاهَا) أَيْ: الْخَلْوَةَ (بَعْدَ قَبْضِهِ) أَيْ: بَعْدَ أَنْ صَارَ الْمَهْرُ مَقْبُوضًا فِي يَدِهَا (لِيُرَاجِعَهَا، فَأَنْكَرَتْ) كَوْنَهُ خَلَا بِهَا (لَمْ يَرْجِعْ) عَلَيْهَا (بِشَيْءٍ) مِنْ الصَّدَاقِ عَمَلًا بِإِقْرَارِهِ، وَلِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُقِرَّةً لَهُ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ فَهُوَ لَا يُصَدِّقُهَا. (وَتَحْصُلُ) الرَّجْعَةُ (بِلَفْظِ رَاجَعْتهَا وَرَجَعْتهَا وَارْتَجَعْتهَا وَأَمْسَكْتهَا وَرَدَدْتُهَا وَأَعْدَدْتهَا) لِوُرُودِ السُّنَّةِ بِلَفْظِ الرَّجْعَةِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَاشْتَهَرَ هَذَا الِاسْمُ فِيهِ عُرْفًا فَسُمِّيَ رَجْعَةً، وَالْمَرْأَةُ رَجْعِيَّةً، وَوَرَدَ الْكِتَابُ بِهِ، أَيْ: لَفْظِ الرَّدِّ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} وَبِلَفْظِ الْإِمْسَاكِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسَكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَقَوْلُهُ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} وَأُلْحِقَ بِهَا مَا هُوَ بِمَعْنَاهَا (وَلَوْ لَمْ يَنْوِ) مَنْ أَتَى بِلَفْظَةِ مِمَّا تَقَدَّمَ شَيْئًا؛ لِأَنَّهَا صَرَائِحُ، وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ (أَوْ) قَالَ ذَلِكَ (هَازِلًا أَوْ زَادَ) بَعْدَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ (لِلْمَحَبَّةِ أَوْ زَادَ لِلْإِهَانَةِ) بِأَنْ قَالَ: رَاجَعْتهَا وَنَحْوُهُ لِلْمَحَبَّةِ، أَوْ قَالَ: رَاجَعْتهَا وَنَحْوُهُ لِلْإِهَانَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: رَاجَعْتُك لِمَحَبَّتِي إيَّاكِ أَوْ إهَانَتِك، لِأَنَّهُ أَتَى الرَّجْعَةَ، وَبَيَّنَ سَبَبَهَا (إلَى أَنْ يَنْوِيَ رَجَعْتُهَا إلَى ذَلِكَ) أَيْ: الْمَحَبَّةِ أَوْ الْإِهَانَةِ (بِفِرَاقِهَا) مِنْهُ؛ فَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ قَالَ فِي الرِّعَايَة: وَإِنْ أَرَادَ رَاجَعْتُك إلَى الْإِهَانَةِ بِفِرَاقِي إيَّاكِ أَوْ الْمَحَبَّةِ، فَلَا رَجْعَةَ انْتَهَى وَذَلِكَ لِحُصُولِ التَّضَادِّ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تُرَادُ لِلْفِرَاقِ وَلَا تَحْصُلُ (بـِ) قَوْلٍ مُطْلَقِ (نَكَحْتُهَا وَتَزَوَّجْتهَا) لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَالرَّجْعَةُ اسْتِبَاحَةُ بُضْعٍ مَقْصُودٍ؛ فَلَا تَحْصُلُ بِكِنَايَةٍ كَالنِّكَاحِ (وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا) أَيْ: الرَّجْعَةِ (الْإِشْهَادُ) عَلَيْهَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ كَسَائِرِ حُقُوقِ الزَّوْجِ، وَكَذَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى وَلِيٍّ وَلَا صَدَاقٍ وَلَا رِضَى الْمَرْأَةِ، كَمَا مَرَّ، وَلَا عِلْمِهَا إجْمَاعًا لِأَنَّ حُكْمَ الرَّجْعِيَّةِ حُكْمُ الزَّوْجَاتِ، وَالرَّجْعَةُ إمْسَاكٌ قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَإِنَّمَا تَشَعَّثَ النِّكَاحُ بِالطَّلْقَةِ، وَانْعَقَدَ بِهَا سَبَبُ زَوَالِهِ؛ فَالرَّجْعَةُ تُزِيلُ شَعَثَهُ، وَتَقْطَعُ مُضِيَّهُ إلَى الْبَيْنُونَةِ؛ فَلَمْ تَحْتَجْ إلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) اشْتَرَطُوا الْإِشْهَادَ عَلَيْهَا، وَهِيَ رِوَايَةُ مُهَنَّا، وَعُزِيَتْ إلَى اخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا فِي تَعَالِيقِهِ (بَلْ يُسْتَحَبُّ) الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا احْتِيَاطًا (فَلَا تَبْطُلُ) الرَّجْعَةُ (لَوْ) أَشْهَدُوا (وَصِيَّ الشُّهُودِ بِكِتْمَانِهَا) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِشْهَادِ. (وَلَوْ طَلَّقَ عَبْدٌ) زَوْجَتَهُ (طَلْقَةً) وَاحِدَةً (ثُمَّ عَتَقَ مَلَكَ) الْعَبْدُ (تَتِمَّةَ ثَلَاثٍ، كَكَافِرٍ رَقَّ بَعْدَ) أَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ (ثِنْتَيْنِ) فَإِنَّهُ يَمْلِكُ تَتِمَّتَهُ الثَّلَاثَ. (وَالرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ فِي نَفَقَةٍ) وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ إلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، (وَ) كَذَلِكَ هِيَ زَوْجَةٌ فِي (إرْثٍ) مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا (وَفِي صِحَّةِ لِعَانٍ وَطَلَاقٍ، وَيَلْحَقُهَا ظِهَارُهُ وَإِيلَاؤُهُ) وَيَصِحُّ خُلْعُهَا؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ يَصِحُّ طَلَاقُهَا، وَنِكَاحُهَا بَاقٍ؛ فَلَا تُؤْمِنُ رَجْعَتُهُ، لَكِنْ لَا قَسْمَ لَهَا، صَرَّحَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ (وَلَهَا) أَيْ: الرَّجْعِيَّةِ (أَنْ تَتَشَرَّفَ) أَيْ: تَتَعَرَّضَ (لَهُ) أَيْ: لِمُطَلِّقِهَا: بِأَنْ تُرِيَهُ نَفْسَهَا، وَلَهَا أَيْضًا أَنْ (تَتَزَيَّنَ) لَهُ، كَمَا تَتَزَيَّنُ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ؛ لِإِبَاحَتِهَا لَهُ كَمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُطَلِّقِ (السَّفَرُ) بِالرَّجْعِيَّةِ (وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَوَطْؤُهَا) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ (وَتَحْصُلُ بِهِ) أَيْ: بِوَطْئِهَا (رَجَعْتُهَا) بِلَا إشْهَادٍ، نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ سَبَبُ زَوَالِ الْمِلْكِ، وَقَدْ انْعَقَدَ مَعَ الْخِيَارِ وَالْوَطْءُ مِنْ الْمَالِكِ يَمْنَعُ زَوَالَهُ كَوَطْءِ الْبَائِعِ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ فِي زَمَانِ الْخِيَارِ، كَمَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّوَكُّلُ فِي طَلَاقِهَا (بِغَيْرِ رِضَاهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (وَبِلَا وَلِيٍّ وَ) لَا (شُهُودٍ وَ) لَا (صَدَاقٍ). وَ(لَا تَحْصُلُ) الرَّجْعَةُ (بِمُبَاشَرَةِ) الرَّجْعِيَّةِ (دُونَ الْفَرْجِ وَلَا بِنَظَرٍ إلَيْهِ) أَيْ: الْفَرْجِ بِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَا تَحْصُلُ (بِخَلْوَةٍ بِهَا) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ) أَيْ: أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ الْقَائِلِينَ بِحُصُولِ الرَّجْعَةِ بِالْخَلْوَةِ (وَلَا تَحْصُلُ رَجْعَتُهَا) (بِإِنْكَارِ طَلَاقٍ) لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِوُجُوبِ حَقِّهِ فِي الرَّجْعَةِ. (أَوْ) وَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ (زَمَنَ رِدَّةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِبَاحَةُ بِضْعٍ مَقْصُودٍ؛ فَلَا تَصِحُّ مَعَ الرِّدَّةِ كَنِكَاحٍ، وَكَذَا بَعْدَ إسْلَامِ زَوْجَةٍ أَوْ زَوْجٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ (أَوْ) أَيْ؛ وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الرَّجْعَةُ (مُتَعَلِّقَةً) بِشَرْطٍ (كـَ) قَوْلِهِ لَهَا: (رَاجَعْتُك إنْ شِئْت أَوْ) رَاجَعْتُك إنْ قَدِمَ (زَيْدٌ أَوْ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَقَدْ رَاجَعْتُك) لِأَنَّ الرَّجْعَةَ اسْتِبَاحَةُ فَرْجٍ مَقْصُودٍ، أَشْبَهَتْ النِّكَاحَ (وَلَوْ عَكَسَهُ) بِأَنْ قَالَ: كُلَّمَا رَاجَعْتُك فَقَدْ طَلَّقْتُك (صَحَّ) التَّعْلِيقُ (وَطَلُقَتْ) كُلَّمَا رَاجَعَهَا؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ. (وَتَصِحُّ) الرَّجْعَةُ (بَعْدَ طُهْرٍ مِنْ حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ، وَلَمْ تَغْتَسِلْ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ لَهُ رَجْعَتُهَا (وَلَوْ) فَرَّطَتْ فِي الْغُسْلِ (سِنِينَ) حَتَّى قَالَ شَرِيكٌ الْقَاضِي عِشْرِينَ سَنَةً قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٌ انْتَهَى؛ لِأَنَّ وَطْءَ الزَّوْجَةِ فِي الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ حَرَامٌ؛ لِوُجُودِ أَثَرِ الْحَيْضِ الَّذِي يَمْنَعُ الزَّوْجَ الْوَطْءَ كَمَا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُهُ الْحَيْضُ وَيُوجِبُ مَا أَوْجَبَهُ الْحَيْضُ كَمَا قَبْلَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَلَمْ تُبِحْ لِلْأَزْوَاجِ قَبْلُ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ؛ لِمَا مَرَّ. (وَتَنْقَطِعُ بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ مِنْ قَطْعِ نَفَقَةٍ وَإِرْثٍ وَلُحُوقِ نَسَبٍ وَطَلَاقٍ وَخُلْعٍ، وَتَصِحُّ) الرَّجْعَةُ (قَبْلَ وَضْعِ كُلِّ وَلَدٍ مُتَأَخِّرٍ) إنْ كَانَتْ حَامِلًا بَعْدَ وَقَبْلَ خُرُوجِ بَقِيَّةِ وَلَدٍ، لِبَقَاءِ الْعِدَّةِ. (وَمَتَى اغْتَسَلَتْ) رَجْعِيَّةٌ (مِنْ) حَيْضَةٍ (ثَالِثَةٍ، وَيَتَّجِهُ أَوْ تَيَمَّمَتْ) رَجْعِيَّةٌ (لِعُذْرٍ) يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَتَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا) قَبْلَ ذَلِكَ (بَانَتْ وَلَمْ تَحِلَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) إجْمَاعًا؛ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} أَيْ: الْعِدَّةِ (وَتَعُودُ) إلَيْهِ الرَّجْعِيَّةُ إذَا رَاجَعَهَا، وَالْبَائِنُ إذَا نَكَحَهَا (عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا وَلَوْ) كَانَ عَوْدُهَا (بَعْدَ وَطْءِ زَوْجٍ آخَرَ) غَيْرِ الْمُطَلِّقِ فِي قَوْلِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَأُبَيُّ وَمُعَاذٌ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَزَيْدٌ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الثَّانِي لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِحْلَالِ لِلْأَوَّلِ؛ فَلَا يُغَيَّرُ حُكْمُ الطَّلَاقِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَوَطْءِ السَّيِّدِ، وَلِأَنَّهُ تَزَوَّجَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الثَّلَاثِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ رَجَعَتْ إلَيْهِ قَبْلَ وَطْءِ الثَّانِي. (وَإِنْ أَشْهَدَ) مُطَلِّقٌ رَجْعِيًّا (عَلَى رَجْعَتِهَا) فِي الْعِدَّةِ (وَلَمْ تَعْلَمْ) هِيَ (حَتَّى اعْتَدَّتْ، وَنَكَحَتْ مَنْ أَصَابَهَا) ثُمَّ جَاءَ وَادَّعَى رَجْعَتَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ، وَقُبِلَتْ (رُدَّتْ إلَيْهِ) لِثُبُوتِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَأَنَّ نِكَاحَ الثَّانِي فَاسِدٌ؛ لِتَزَوُّجِهِ امْرَأَةً فِي نِكَاحِ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَمْ يُصِبْهَا الثَّانِي (وَلَا يَطَؤُهَا) الْأَوَّلُ إنْ أَصَابَهَا الثَّانِي (حَتَّى تَعْتَدَّ مِنْ) وَطْءِ (الثَّانِي) احْتِيَاطًا لِلْأَنْسَابِ (وَكَذَا إنْ صَدَّقَاهُ) أَيْ: الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَصْدِيقَهُمَا أَبْلَغُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. (فَإِنْ كَذَّبَاهُ) أَيْ: الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ رَاجَعَهَا، وَلَمْ تَثْبُتْ الرَّجْعَةُ بِبَيِّنَةٍ (رُدَّ قَوْلُهُ) لِتَعْلِيقِ حَقِّ الزَّوْجِ الثَّانِي بِهَا، وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِمَا (وَإِنْ صَدَّقَهُ) الزَّوْجُ (الثَّانِي) وَحْدَهُ (بَانَتْ مِنْهُ) لِاعْتِرَافِهِ بِفَسَادِ نِكَاحِهِ، وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا إنْ دَخَلَ أَوْ خَلَا بِهَا، وَإِلَّا فَنِصْفُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا عَنْهُ (وَلَمْ تَحِلَّ لِلْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ الثَّانِي عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَقَطْ (وَإِنْ صَدَقَتْ) الْمَرْأَةُ (لَمْ يُقْبَلْ عَلَى) الزَّوْجِ (الثَّانِي) فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ (وَلَا يَلْزَمُهَا مَهْرُ الْأَوَّلِ لَهُ) أَيْ: لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ لَهَا بِالدُّخُولِ (لَكِنْ مَتَى بَانَتْ مِنْهُ) أَيْ: الثَّانِي (عَادَتْ لِلْأَوَّلِ بِلَا عَقْدٍ) جَدِيدٍ، وَلَا يَطَأُ حَتَّى تَعْتَدَّ إنْ دَخَلَ بِهَا (فَإِنْ مَاتَ) الْأَوَّلُ (قَبْلَ أَنْ بَانَتْ مِنْ ثَانٍ، فَقَالَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَبِعَهُ كَصَاحِبِ الْمُبْدِعِ: (يَنْبَغِي أَنْ تَرِثَهُ لِإِقْرَارِهِ بِزَوْجِيَّتِهَا وَتَصْدِيقِهَا لَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ) وَهِيَ مُصَدِّقَةٌ لِلْأَوَّلِ (لَمْ يَرِثْهَا الْأَوَّلُ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الثَّانِي بِالْإِرْثِ) وَلِأَنَّهَا لَا تُصَدَّقُ فِي إبْطَالِ نِكَاحِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ ظَاهِرًا، وَمَحَلُّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الزَّوْجُ الثَّانِي حُرًّا، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا فَلَا يَرِثُهَا (وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي؛ لَمْ تَرِثْهُ) لِاعْتِرَافِهَا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً لَهُ (قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يُمَكَّنُ الْأَوَّلُ مِنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهَا، وَلَا أَرْبَعٍ سِوَاهَا) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِمُوجِبِ دَعْوَاهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ قُلْت: وَكَذَا الثَّانِي بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. (وَمَنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا بِنَحْوِ حَيْضٍ أَوْ وِلَادَةٍ، وَأَمْكَنَ ذَلِكَ غَالِبًا) بِأَنْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ انْقِضَاؤُهَا فِيهِ (قَبْلَ) قَوْلِهَا (بِيَمِينِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} أَيْ: مِنْ الْحَمْلِ وَالْحَيْضِ، فَلَوْلَا أَنَّ قَوْلَهُنَّ مَقْبُولٌ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِنَّ كِتْمَانُهُ، وَلِأَنَّهُ أَمْرٌ يَخُصُّ الْمَرْأَةَ بِمَعْرِفَتِهِ، فَقُبِلَ قَوْلُهَا فِيهِ كَالنِّيَّةِ مِنْ الْإِنْسَانِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ، وَإِنْ لَمْ يَمْضِ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا فِيهِ، رُدَّ قَوْلُهَا، فَإِنْ مَضَى مَا يُمْكِنُ صِدْقُهَا فِيهِ، ثُمَّ ادَّعَتْهُ فَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى دَعْوَاهَا الْمَرْدُودَةِ، لَمْ تُقْبَلْ، وَإِنْ ادَّعَتْ انْقِضَاءَهَا فِي الْمُدَّةِ كُلِّهَا أَوْ فِي مَا يُمْكِنُ مِنْهَا؛ قُبِلَتْ. وَإِنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا أَسْقَطَتْ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ إمْكَانِ الْوَطْءِ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي إلَّا بِمَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا خَلْقُ الْإِنْسَانِ، وَأَقَلُّ مُدَّةٍ يَتَبَيَّنُ فِيهَا خَلْقُ الْإِنْسَانِ ثَمَانُونَ يَوْمًا، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّةٌ بِمَا تُلْقِيهِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُضْغَةً وَيَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُ إنْسَانٍ، كَمَا لَا تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ نِفَاسٍ وَلَا وُقُوعُ طَلَاقٍ مُعَلَّقٍ بِوِلَادَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَ(لَا) تُقْبَلُ دَعْوَاهَا انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا (فِي شَهْرٍ بِحَيْضٍ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) نَصًّا؛ لِقَوْلِ شُرَيْحٍ إذَا ادَّعَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ وَجَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ النِّسَاءِ الْعُدُولِ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى صِدْقُهُ وَعَدْلُهُ أَنَّهَا رَأَتْ مَا يُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ مِنْ الطَّمْثِ؛ وَتَغْتَسِلُ عَنْهُ كُلَّ قَرْءٍ، وَتُصَلِّي، فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَقَالَ عَلَيَّ قالون: وَمَعْنَاهُ بِالرُّومِيَّةِ أَصَبْت وَأَحْسَنْت؛ وَإِنَّمَا لَمْ تُصَدَّقْ فِي ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِهِ، لِنُدْرَتِهِ بِخِلَافِ مَا زَادَ عَلَى الشَّهْرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَتْ خِلَافَ عَادَةٍ مُنْتَظِمَةٍ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَإِنْ ادَّعَتْ الْحُرَّةُ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ فِي أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ صُدِّقَتْ، وَفِي أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا؛ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ (لَكِنْ لَوْ) بَقِيَتْ عَلَى دَعْوَاهَا انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ حَتَّى (مَضَى) عَلَيْهَا (مَا يُمْكِنُ) صِدْقُهَا فِيهِ كَمَا لَوْ مَضَى عَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ (فَادَّعَتْهُ) أَيْ: الِانْقِضَاءَ (قَبْلَ) قَوْلِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا وَهِيَ مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى نَفْسِهَا، وَمَحَلُّ قَبُولِ قَوْلِهَا؛ (مَا لَمْ تَعْزِهِ) أَيْ: الِانْقِضَاءَ (لِمَا قَبْلَ) التِّسْعَةِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَإِنْ عَزَتْهُ لِمَا قَبْلَهَا؛ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهَا لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَاسِقَةِ وَالْمَرِيضَةِ وَالْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ كَإِخْبَارِهِ عَنْ نِيَّتِهِ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّتُهُ. (وَإِنْ ادَّعَتْهُ) أَيْ: الِانْقِضَاءَ (بِأَشْهُرٍ، فَكَذَّبَهَا زَوْجٌ) وَلَمْ تَأْتِ بِبَيِّنَةٍ فَالْقَوْلُ (قَوْلُهُ) أَيْ: الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ يَنْبَنِي عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا (هِيَ) أَيْ: الزَّوْجَةِ (لَوْ ادَّعَاهُ) الزَّوْجُ، أَيْ: ادَّعَى الِانْقِضَاءَ بِالْأَشْهُرِ (لِيُسْقِطَ نَفَقَتَهَا)، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، (فـَ) لَوْ قَالَ فِي شَوَّالٍ: (طَلَّقْت بِرَجَبٍ) فَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُك، وَسَقَطَتْ نَفَقَتُك (فَقَالَتْ): هِيَ (بَلْ) طَلَّقَنِي (بِرَمَضَانَ) فَعِدَّتِي وَنَفَقَتِي بَاقِيَتَانِ (فَقَوْلُهَا) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سُقُوطِ ذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَتْ عَدَمَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا نَفَقَةٌ كَبَائِنٍ حَائِلٍ، قُبِلَ قَوْلُهَا؛ لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ عَلَى نَفْسِهَا بِمَا هُوَ الْأَغْلَظُ عَلَيْهَا، وَلَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ، فَقَالَ فِي شَوَّالٍ: طَلَّقْتُك فِي رَمَضَانَ، فَلَمْ تَنْقَضِي عِدَّتُك، فَلِي رَجْعَتُك، فَقَالَتْ: بَلْ طَلَّقَنِي فِي رَجَبٍ فَانْقَضَتْ عِدَّتِي، فَلَا رَجْعَةَ لَك؛ فَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ؛ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِي وَقْتِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ. (وَأَقَلُّ مَا) أَيْ: زَمَنٍ (تَنْقَضِي عِدَّةُ حُرَّةٍ فِيهِ بِأَقْرَاءٍ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا) بِلَيَالِيِهَا (وَلَحْظَةٌ) لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْأَقْرَاءَ الْحِيَضُ، وَأَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، أَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيَكُونُ طَلَّقَهَا مَعَ آخِرِ الطُّهْرِ وَاللَّحْظَةُ لِتَحَقُّقِ انْقِطَاعِ الدَّمِ، وَحَيْثُ اُعْتُبِرَ الْغُسْلُ اُعْتُبِرَ لَهُ لَحْظَةٌ أَيْضًا.
(وَ) أَقَلُّ مَا تَنْقَضِي فِيهِ عِدَّةُ (أَمَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ) يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا (وَلَحْظَةٌ) بِأَنْ يَكُونَ طَلَّقَهَا فِي آخِرِ طُهْرِهَا، وَحَاضَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَطَهُرَتْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَحَاضَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَاللَّحْظَةُ لِيَتَحَقَّ فِيهَا الِانْقِطَاعُ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ) أَيْ: أَيُّ مُطَلَّقَةٍ رَجْعِيَّةٍ (قَالَتْ ابْتِدَاءً) أَيْ: قَبْلَ دَعْوَى زَوْجِهَا رَجْعَتَهَا (وَيَتَّجِهُ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ مَا) أَيْ: زَمَنٍ (يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ) بِأَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ انْقَضَتْ عِدَّتِي، فَقَالَ زَوْجُهَا: (كُنْت رَاجَعْتُك وَأَنْكَرَتْهُ) فَقَوْلُهَا بِيَمِينِهَا؛ لِأَنَّ دَعْوَاهَا انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا إذَنْ مَقْبُولَةٌ، فَصَارَتْ دَعْوَاهُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا؛ فَلَمْ تُقْبَلْ (أَوْ تَدَاعَيَا مَعًا) بِأَنْ قَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي، وَقَالَ الزَّوْجُ: رَاجَعْتُك فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ؛ (فـَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا) لِتَسَاقُطِ قَوْلِهَا مَعَ التَّسَاوِي، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الرَّجْعَةِ (وَلَا يُقْضَى عَلَيْهَا بِنُكُولٍ) لِأَنَّ خَبَرَهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا يَكُونُ بَعْدَ انْقِضَائِهَا، فَيَكُونُ قَوْلُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ؛ فَلَا يُقْبَلُ، قَالَهُ، فِي الشَّرْحِ. وَلَوْ ادَّعَى زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا، فَأَنْكَرَتْهُ (وَصَدَّقَهُ سَيِّدُ الْأَمَةِ) فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا نَصًّا، لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقٍّ لِلزَّوْجِ؛ لِعَدَمِ قَصْدِهِ إيَّاهُ. (فَإِنْ صَدَّقَتْهُ هِيَ) أَيْ: صَدَّقَتْ مُطَلِّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا (فَكَذَّبَهَا السَّيِّدُ فَقَوْلُهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ) فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهَا فِي إبْطَالِ حَقِّهِ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى غَيْرِهَا، فَلَمْ يُقْبَلْ (وَمَعَ عِلْمِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ (صِدْقَ الزَّوْجِ) فِي دَعْوَاهُ الرَّجْعَةَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بَعْدَهُ (لَا يَحِلُّ لَهُ) أَيْ: السَّيِّدِ (وَطْؤُهَا، وَلَا تَزْوِيجُهَا) لِأَنَّهَا زَوْجَةُ الْغَيْرِ (وَإِنْ عَلِمَتْ هِيَ) صِدْقَ الزَّوْجِ فِي دَعْوَاهُ رَجْعَتَهَا (لَمْ تُمَكِّنْ السَّيِّدَ مِنْ نَفْسِهَا) لِأَنَّهَا حَرَامٌ عَلَيْهِ كَمَا قَبْلَ الطَّلَاقِ. (وَمَتَى رَجَعَتْ) عَنْ قَوْلِهَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا حَيْثُ قَبِلَ قَبُولَهَا، وَلَمْ تَتَزَوَّجْ (قَبْلَ) رُجُوعِهَا (كَجَحْدِ أَحَدِهِمَا النِّكَاحَ) إذَا ادَّعَاهُ الْآخَرُ (ثُمَّ يَعْتَرِفُ بِهِ) أَيْ: النِّكَاحِ مُنْكَرُهُ؛ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَسْبِقُهُ إنْكَارٌ (وَإِنْ سَبَقَ) زَوْجُ رَجْعِيَّةٍ (فَقَالَ: أَرْجَعْتُك، فَقَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِك) وَأَنْكَرَهَا فَقَوْلُهُ، (وَيَتَّجِهُ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّ دَعْوَاهُ الرَّجْعَةَ سَابِقًا عَلَى إخْبَارِهَا بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا، وَلِأَنَّ دَعْوَاهَا ذَلِكَ بَعْدَ دَعْوَى الزَّوْجِ الرَّجْعَةَ تَقْصِدُ بِهِ إبْطَالَ حَقِّ الزَّوْجِ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا (وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) أَيْ: الزَّوْجُ. (لَوْ ادَّعَاهَا) أَيْ الرَّجْعَةَ (بَعْدَ مَوْتِهَا) أَيْ الزَّوْجَةِ (قَبْلَهُ) قَبْلَ الْمَوْتِ (لِيَرِثَ) لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يَجُرُّ لِنَفْسِهِ نَفْعًا، أَوْ ادَّعَى الرَّجْعَةَ (بَعْدَ مُضِيِّ مَا) أَيْ: زَمَنٍ (يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ لَوْ كَانَتْ حَيَّةً) كَأَنْ يَكُونَ فَوْقَ شَهْرٍ (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
(وَ) لَوْ قَالَتْ الرَّجْعِيَّةُ (انْقَضَتْ عِدَّتِي، ثُمَّ) رَجَعَتْ وَ(قَالَتْ: مَا انْقَضَتْ) عِدَّتِي؛ فَلَهُ رَجْعَتُهَا حَيْثُ لَمْ تَتَزَوَّجْ أَحَدِهِمَا النِّكَاحَ، ثُمَّ يَعْتَرِفُ بِهِ (أَوْ قَالَ) الزَّوْجُ: أَنْتِ (أَخْبَرْتنِي بِانْقِضَائِهَا) أَيْ: الْعِدَّةِ (فَأَنْكَرَتْ إخْبَارَهَا إيَّاهُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ)، وَأَقَرَّتْ بِأَنَّ عِدَّتَهَا لَمْ تَنْقَضِ (فَلَهُ رَجْعَتُهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ بِخَبَرِهَا عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ رَجَعَتْ عَنْ خَبَرِهَا، فَقَبِلَ رُجُوعَهَا هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ.